آخر 10 مشاركات
شخبار قلبك اليووووم ؟؟ (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 563 - المشاهدات : 2787 - الوقت: 03:52 PM - التاريخ: 26-05-2024)           »          سجل حضورك ببيت شعر على ذوقك (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 7208 - المشاهدات : 1312161 - الوقت: 09:48 AM - التاريخ: 26-05-2024)           »          إيش أقسى درس تعلمته الفترة هذة ؟ (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 54 - المشاهدات : 248 - الوقت: 01:36 AM - التاريخ: 14-04-2024)           »          سجل اعترافك ولا؟؟؟؟؟ (الكاتـب : محمد الروقي - آخر مشاركة : - مشاركات : 2231 - المشاهدات : 10699 - الوقت: 01:34 AM - التاريخ: 14-04-2024)           »          أعصـــر مخك وهات كلمة بدووون [ نقـــط ] (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 1945 - المشاهدات : 3644 - الوقت: 01:31 AM - التاريخ: 14-04-2024)           »          يـأزيــن .. يـأ شيــن ===> لعبة (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 594 - المشاهدات : 1379 - الوقت: 01:29 AM - التاريخ: 14-04-2024)           »          مين العضو اللي ببالك باللحظه دي .... (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 23 - المشاهدات : 73 - الوقت: 01:27 AM - التاريخ: 14-04-2024)           »          مين العضو الى تتمنى تشوفه وجه لوجه (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 3561 - المشاهدات : 26362 - الوقت: 01:26 AM - التاريخ: 14-04-2024)           »          آسف أنا (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 174 - المشاهدات : 474 - الوقت: 01:23 AM - التاريخ: 14-04-2024)           »          دكه اعضاء رواسي نجد الادبيه للسوالف وسعه الصدر (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 1863 - المشاهدات : 5550 - الوقت: 01:22 AM - التاريخ: 14-04-2024)


العودة   شبكة رواسي نجد الأدبية > ( راســيه عامه) > المنبر

المنبر قبضة من أثر الدين مدثرة بـ حرائر روحانية  مرســى أمور ديننا الحنيف على نهج أهل السنه والجماعه ..

إضافة رد
انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-03-2016, 07:07 PM   #1
] . .


مهرة يام غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1440
 تاريخ التسجيل :  Nov 2014
 أخر زيارة : 10-03-2022 (12:38 PM)
 المشاركات : 19,679 [ + ]
 التقييم :  10406
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 SMS ~
 اوسمتي
الرابع درع التميز المراقب النشيط الالفيه الثانية عشر وسام مسابقة الصندوق الالفيه الحادي عشر وسام الادارة المميزة 
لوني المفضل : Ivory
افتراضي اخلاقيات جماليه






مَا إن يتأمَّل الإنسان إشراقة الشمس، حتَّى يدرك معنى الجمال الموسوم في لوحات النَّفس، بألوان حيويَّة متدفِّقة، الجمال ينبلج مِن كوَّة النُّور والضِّياء؛ لتُحيل الحياة إلى ظلِّ لحظات يتَّحد فيها القلب مع القلب، فيستحيل إلى فيض مِن معانٍ متلألئة.
وإذا كانت الرِّياضة تغذِّي الجسم، والعبادة تقوِّي الرُّوح، والعلم ينمِّي العقل، فإنَّ الجمال يُحيي الوجدان، ويَسمو بالإنسان إلى أرقى المراتب.
والجمال، ينقسم إلى جمال روحي، وآخر مادِّي، فالجمال الرُّوحي راحة وسكينة؛ حيث تكون النَّفس كالسَّماء الزَّرقاء، وقد انقشعت عنها سحائب القلق والحيرة، وهذا الإحساس الجميل، يعبِّر عن خلاص الإنسان مِن مؤثِّرات الحياة السَّلبيَّة، ويُنقِّيه مِن الأحقاد، فلا يفعل إلا ما يُمليه عليه ضميره، فهو صاحب خُلُق جميل، الجمال إذن "مقدرة على مقاومة النَّفس الَّتي تأمُر بالقبح، فهو يقترن بالفضيلة وصدْق المشاعر".
أمَّا الجمال المادِّي، فهو منحوت على صفحات الطَّبيعة وسطورها، يُعلن عن نفسه دون مشقَّة أو أقنعة زائفة،يعبِّر عن ذاته بذاته.
وإذا كان الإنسان خليفةً في الأرض في صورة تقويميَّة، فإنَّه مِن مُنطلق الواقعيَّة، أن يَحرص على جمال الرُّوح والعقل والوجدان.
والأحكام الرُّوحيَّة في مجملها تستهدف تغيير مفاسد الأخلاق إلى محاسنها، وهذا هو محور فلسفة التَّشريع، وربُّنا - عزَّ وجلَّ - ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [السجدة: 7] سخَّر لنا ما سخَّر، في أنفسنا وفي أرضنا وفي سمائنا، وأذِن لنا في الجمع والتَّوفيق بين الانتفاع والاستمتاع بما في الطَّبيعة؛ يقول الله - عزَّ وَجلَّ - : ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 5 - 8]، ويقول - عزَّ وَجلَّ - : ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ [النمل: 60]، بل لقد جاء التَّكليف بأن ننظر ونتأمَّل في مناظر الجمال ويانع الثِّمار: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ [ق: 6]، ولنتأمَّل قول الله - عزَّ وَجلَّ -: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 -20]، إنَّه نظرٌ وتفكُّر يجمع بين الإيمان والفائدة، وبين الجمال والابتهاج؛ بل لقد أُمر بنو آدم باتِّخاذ زينتهم أمرًا مباشرًا، ولا سيِّما في مواطن العبادة؛ ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31].
جمالُ التَّعبير:
وجمال التَّعبير هو أوسع أنواع الفنون وأكثرها أثرًا في حياة النَّاس وتعاملاتهم: خطابًا، وأسلوبًا، وأمرًا، ونهيًا، ودعوة، وتوجيهًا، وتعليمًا، وتربية، وهذا تنبيه وتوجيه لأهل العِلم والتَّربية والتَّثقيف؛ لكي يقصدوا إلى الجاذبيَّة في الأسلوب، والجمال في التَّعبير: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].
فحياة النَّاس جُبلت على حبِّ الرِّفق وطلاقة الوجه، وفُطرت على الخُلق العالي وجمال اللَّفظ.
إنَّ المعلِّم والمُوجـِّه، والمرشِد والنَّاصح، والكاتب والمثقَّف، وغيرهم وغيرهم، كلُّ هؤلاء ينبغي أن يكونوا أهلاً للقول الجميل، والصَّبر الجميل، والصَّفح الجميل، والهجر الجميل.
وهذا الجمال الجميل، لا يمكن أن يكون فوق الحقِّ، فلا يكون الجمال في الكذِب، ولا يكون الفنُّ في الفسوق، ولا يجوز أن يُستساغ بجمال التَّعبير اختلاق الأباطيل مِن القول والتَّزوير. وعندما يكون الجمال وسيلة لهدم الحقِّ ينبغي إيقافه، فالذَّريعة إلى الممنوع ممنوعة.
ذلكم هو الجمال، وتلكم هي الزِّينـة، وذلكم هو الفنُّ والإبداع في ظاهره وباطنه.
ومِن الحماقة أن يكون بعض النَّاس حَسَن الهندام، حريصًا على جمال الصُّورة، بينما هو في حديثه وسلوكه قبيح العبـارة، دميم الذَّوق، سليط اللِّسان، غليظ التَّعامـل؛ ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 32 - 33]، وتذوُّق الجمال يرتبط بالإطار الذي يوجد فيه الإنسان، وقد يوجد الجمال في "صخرة، أو شجرة، أو نَهر"، وقد يكون الجمال إبداعًا منفردًا ممَّا له أثر على التقاء الفكرة بالحسِّ، وقد يكون الجمال مُبتكَرًا بلغة تَحمِل الأثر الجميل، كقصيدة أو رواية أو نثر أو نصٍّ مسرحي.
ولكي يبقى الشَّيء جميلاً؛ لا بدَّ أن يكون سالِمًا مِن النَّقائص، ولا بدَّ أن يكون مُتناسِقًا مُنتظمًا مُنضبطًا.
وجمال القاضي بعدله وإنصافه، وجمال الحاكم باهتمامه بشؤون رعيَّته، وسهره لأمنهم وراحتهم، وجمـال الغنيِّ بصدقته وإنفاقه، وجمال الفقير بكدِّه وعمله.
ولقد خاطبنا الخالق بالجمال، وأمرنا أن نرحل إليه وإلى منازله العليا، ونسير إليها سيرًا لا ينقطع، حتَّى يدركنا اليقين، ولا ينبغي للإنسان الكيِّس أن تعميه أغاليط المبتدعين عن محاسن الدِّين.
تلازمٌ مَع الحقّ:
والجمال عادة يتلازم مع الحقِّ والخير في مواءمة وتناسق وانسجام، والخالق هو الحقُّ الأعلى الَّذي لا يقـارب أحقيَّته حق، فهو الأوَّل والآخـر والظَّاهر والباطن، وهو بكلِّ شيء عليم.
والرُّسل الَّذين أكرمَنا الله بهم، كانوا صادقين أمناء، لا تأخذهم في الله لومة لائم، والكتب الَّتي أُنزلت عليهم ذِروة سامِقة مِن جمال.
وبما أنَّ القيَم الثَّلاث: الحق والخير والجمال، مُلتقية في الإله المعبود، وفي الرُّسل، وفي الكتب المنزَّلة؛ فإنَّ أحسنَ الأحوال أن تكون هذه القيم مُتداخِلة في حياة البشر.
والدَّعوة إلى الخير لا تكون إلا على الحق، ولا تقترن إلا بالحسن والجمال، والدَّعوة لا تكون إلا بالكلام الجمـيل الَّذي تأنَس به المسامع، وتطمئنُّ إليه القلوب؛ ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83].
الجمال - إذن - قرين الحقِّ والخير، وونحن نرى أنَّ مهمَّة البلاغة: الكشف عن الحق، ولا توجد البلاغة إلا حيث يوجَد الجمال، وما خلا مِن الجمال فإطلاق البلاغة عليه مُحال.
النص المعجز:
والنَّص القرآنـيُّ هو أحد موضوعات الجمال، يدعو الإنسان إلى التَّفكُّر؛ ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الحجر: 16].
والمعجزة القرآنيـَّة وضعتنا أمام وعي جماليٍّ جديد، نجد تجلِّياته في الفكر واللُّغة والسُّلوك والفنّ، ينطلق هذا الوعي مِن خالق الجمال البديع الَّذي ينبثق جمال الوجود كله مِن آثار جماله، فللّه - عزَّ وجلَّ - جمال الذَّات، وجمـال الصِّفات، وجمال الأسماء والأفعال.
ومِن كمال محبَّة الله: محبَّة الجمال والسَّعي إلى إدراكه؛ بل إنَّ منتهى جزاء الآخرة عند المؤمن رؤية وجه الله - عز وجل - الَّذي يفيض على وجوه النَّاظرين إليه نَضرة وجمالاً؛ ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة:22 - 23].
وإلى جانب معجزة جماليَّته، فإنَّ القرآن الكريم - في الوقت ذاته - مُعجزة عقليَّة، مِن حيث عمْق بيانه، وروعة أسلوبه.
والحديث النَّبويُّ امتاز بغاية الجمال، ها هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لمن يَطلُب منه وصيَّة: ((لا تغضب)) ،
ويقول - عليهِ الصَّلاة وَالسَّلام - لرجل آخر: ((قل آمنت بالله، ثمَّ استقم)) .
كتابٌ عَظيم:
إنَّ الجمال كتاب عظيم، واضِعه مزيِّن الأرض والسَّماء، والمعرفة جمال، والذَّكاء جمال، والتَّضحية جمال، والحبُّ جمال، والإبداع جمال، وسحر قطرات النَّدى على وجه زهرة نَضِرة جمال، ودمعة طفل بريء على خدَّيه جمال، وبسمة الرُّوح جمال.
والجمال شعلة أخَّاذة تفتن الوجدان؛ لأنَّه إكسير الحياة الَّذي يتدفَّق في الشَّرايين كالسَّيل، ويَغمر الأرض، ويعدها بثوب فسيفسائيٍّ رسمته ريشة الإبداع.
الجمال ينبثق معبِّرًا عمَّا هو إنساني، وما أكثر ما ندَّد البيان الإلهيُّ بالموقف القبيح!
يقول القرآن عن الطُّغاة مِن أمثال فرعون وهامان وقارون وغيرهم: ﴿ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾ [القصص: 42].
ولقد انعدمت قيمة الإحساس الجمالي لدى العابثين؛
لأنَّ حياتهم خالية مِن المعنى، شخص يَحسُّ بالقبح، نفسيته قاتِمة، وأخلاقه سيئة، وكثيرًا ما يتحوَّل إلى مُنحرِف لا يِمتلك عاطفة؛ لأنَّه يرى صور الحياة قبيحة، في حين أنَّ النَّفس الإنسانيَّة التي تُضيئها شموع الجمال في إطار حالِم، تنشِّئ "هسيس" الحياة، وتضفي على الآخرين رونقًا يَزخر بعطْر الجمال المضمخ بالعاطفة وصاحب النَّفس المضيئة يحبُّ الطَّبيعة؛ لأنَّه يقرأ فيها المعاني والأوزان والحركة والشِّعر والموسيقا والرَّسم، فالبحار والرِّياح كائنات تُصدِر موسيقا، وتَطرب بها ولها، وتلك هي صور الحياة الَّتي يَعيها الإنسان مِن خلال العيش بطريقة فنيَّة مُبتكَرة.
وحوى القرآن الكريم آيات كثيرة عن الجمال، مِن ذلك: ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ [المعارج: 5]، والصَّبر الجميل هو الَّذي يُضاف إليه الرِّضا وسَعة الصَّدر، الصبر الجميل هو الَّذي تَزدَان النَّفس فيه باليقين والثِّقة، وتمتلئ بالأمل، والرَّجاء، وتكون بمنأى عن الجزع والسَّخط على القضاء.
وجاء ذكر الصَّبر الجميل في موضعين آخرين مِن القرآن الكريم، كلاهما في سورة يوسف، الموضع الأوَّل جاء على لسان يعقوب - عليه السلام - وقد جاءه أبناؤه يُخبرونه بأنَّ يوسف قد أكله الذِّئب، وبرهنوا على قولهم بدمٍ كذب على قميصه، وبرغم الفاجعة الرَّهيبة على قلب الأب المؤمن، واجَه الأمر بأناة بالِغة، وثقة عظيمة، جعلته يَحسُّ أنَّ الأمر على غير ما صوَّر أبناؤه، وتذرَّع بالصَّبر الجميـل؛ يقول تعَالى حكاية عنه: ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18].
والموضع الثاني عن الصَّبر الجميل جاء أيضًا على لسان يعقوب، عندما جاءه نبأ احتجاز ابنه الثَّاني في سجن العزيز بمصر، فقال: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83].
والصَّفح في القرآن الكريم يتَّسم بالجمال، والصَّفح مِن أسمى الصِّفات؛ إذ هو يعني التَّغاضي عن إساءات الآخرين، وقد طلبه الله - تبارَك وَتعَالى - مِن نبيّه في مواجهة المُعرضين المُكذِّبين مِن قومه، مُبيّنًا له أنّه صاحب رسالة مهمَّتها الهداية، وعقاب الضَّالين مرجِعه لربِّ العالمين، والسَّاعة آتية لا ريب فيها؛ فقال تعَالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85].
والصَّفحُ في حدِّ ذاتِه شيء جَميل، وعندما يتَّصف بالجمال يكون صفحًا لوجه الله، لا يَجعله صاحبه حديثًا يُذكر به بين النَّاس.
والهجْر في القرآن يتَّسم بالجمال: ﴿ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10].
وذُكرَ السَّراحُ الجميل مرَّتين في مُحكم التَّنْزيل، وكلتاهما في سورة الأحزاب، أولاهما: في تخيير النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لزوجاته عندما سألْنَه التَّوسعة في النَّفقة، فقال ربُّ العالمين لنبيِّه:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 28].
وثانيتهما: مطالبة الأزواج الَّذين يطلِّقون الزَّوجات قبل الدُّخول، بأن يمتِّعوا الزَّوجات، والمُتعة كسوة ملائمة لمكانة المرأة ومستواها الاجتماعي، ثمَّ السَّراح الجميل دون بغي على الحقوق؛ قال تعالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49].
وسراح المرأة: أنْ تكون في حلٍّ مِن رابطة الزَّوجيَّة، فهو الطَّلاق، وهو أبغض الحلال إلى الله، لكنَّه مع وقْعه الأليم على النَّفس، فإنَّه عندما يقترن بالجمال نَحصل على ثمراته.
وبعد، يبقى الجمال الحقيقيُّ جمال النَّفس الذي يظهر في التَّعابير، ويدلُّ على النُّبل والتَّسامح، ويكون بمثابة سمفونيَّة تتسلَّل إلى باطن الإنسان، فتُحيي ملكة ذوقه، وتفتح قريحته، وتستحوذ على مشاعره، وتُنعشه برغبة البقاء مِن خلال توقه في تسلُّق دروب النَّقاء.






مَا إن يتأمَّل الإنسان إشراقة الشمس، حتَّى يدرك معنى الجمال الموسوم في لوحات النَّفس، بألوان حيويَّة متدفِّقة، الجمال ينبلج مِن كوَّة النُّور والضِّياء؛ لتُحيل الحياة إلى ظلِّ لحظات يتَّحد فيها القلب مع القلب، فيستحيل إلى فيض مِن معانٍ متلألئة.
وإذا كانت الرِّياضة تغذِّي الجسم، والعبادة تقوِّي الرُّوح، والعلم ينمِّي العقل، فإنَّ الجمال يُحيي الوجدان، ويَسمو بالإنسان إلى أرقى المراتب.
والجمال، ينقسم إلى جمال روحي، وآخر مادِّي، فالجمال الرُّوحي راحة وسكينة؛ حيث تكون النَّفس كالسَّماء الزَّرقاء، وقد انقشعت عنها سحائب القلق والحيرة، وهذا الإحساس الجميل، يعبِّر عن خلاص الإنسان مِن مؤثِّرات الحياة السَّلبيَّة، ويُنقِّيه مِن الأحقاد، فلا يفعل إلا ما يُمليه عليه ضميره، فهو صاحب خُلُق جميل، الجمال إذن "مقدرة على مقاومة النَّفس الَّتي تأمُر بالقبح، فهو يقترن بالفضيلة وصدْق المشاعر".
أمَّا الجمال المادِّي، فهو منحوت على صفحات الطَّبيعة وسطورها، يُعلن عن نفسه دون مشقَّة أو أقنعة زائفة،يعبِّر عن ذاته بذاته.
وإذا كان الإنسان خليفةً في الأرض في صورة تقويميَّة، فإنَّه مِن مُنطلق الواقعيَّة، أن يَحرص على جمال الرُّوح والعقل والوجدان.
والأحكام الرُّوحيَّة في مجملها تستهدف تغيير مفاسد الأخلاق إلى محاسنها، وهذا هو محور فلسفة التَّشريع، وربُّنا - عزَّ وجلَّ - ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [السجدة: 7] سخَّر لنا ما سخَّر، في أنفسنا وفي أرضنا وفي سمائنا، وأذِن لنا في الجمع والتَّوفيق بين الانتفاع والاستمتاع بما في الطَّبيعة؛ يقول الله - عزَّ وَجلَّ - : ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 5 - 8]، ويقول - عزَّ وَجلَّ - : ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ [النمل: 60]، بل لقد جاء التَّكليف بأن ننظر ونتأمَّل في مناظر الجمال ويانع الثِّمار: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ [ق: 6]، ولنتأمَّل قول الله - عزَّ وَجلَّ -: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 -20]، إنَّه نظرٌ وتفكُّر يجمع بين الإيمان والفائدة، وبين الجمال والابتهاج؛ بل لقد أُمر بنو آدم باتِّخاذ زينتهم أمرًا مباشرًا، ولا سيِّما في مواطن العبادة؛ ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31].
جمالُ التَّعبير:
وجمال التَّعبير هو أوسع أنواع الفنون وأكثرها أثرًا في حياة النَّاس وتعاملاتهم: خطابًا، وأسلوبًا، وأمرًا، ونهيًا، ودعوة، وتوجيهًا، وتعليمًا، وتربية، وهذا تنبيه وتوجيه لأهل العِلم والتَّربية والتَّثقيف؛ لكي يقصدوا إلى الجاذبيَّة في الأسلوب، والجمال في التَّعبير: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].
فحياة النَّاس جُبلت على حبِّ الرِّفق وطلاقة الوجه، وفُطرت على الخُلق العالي وجمال اللَّفظ.
إنَّ المعلِّم والمُوجـِّه، والمرشِد والنَّاصح، والكاتب والمثقَّف، وغيرهم وغيرهم، كلُّ هؤلاء ينبغي أن يكونوا أهلاً للقول الجميل، والصَّبر الجميل، والصَّفح الجميل، والهجر الجميل.
وهذا الجمال الجميل، لا يمكن أن يكون فوق الحقِّ، فلا يكون الجمال في الكذِب، ولا يكون الفنُّ في الفسوق، ولا يجوز أن يُستساغ بجمال التَّعبير اختلاق الأباطيل مِن القول والتَّزوير. وعندما يكون الجمال وسيلة لهدم الحقِّ ينبغي إيقافه، فالذَّريعة إلى الممنوع ممنوعة.
ذلكم هو الجمال، وتلكم هي الزِّينـة، وذلكم هو الفنُّ والإبداع في ظاهره وباطنه.
ومِن الحماقة أن يكون بعض النَّاس حَسَن الهندام، حريصًا على جمال الصُّورة، بينما هو في حديثه وسلوكه قبيح العبـارة، دميم الذَّوق، سليط اللِّسان، غليظ التَّعامـل؛ ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 32 - 33]، وتذوُّق الجمال يرتبط بالإطار الذي يوجد فيه الإنسان، وقد يوجد الجمال في "صخرة، أو شجرة، أو نَهر"، وقد يكون الجمال إبداعًا منفردًا ممَّا له أثر على التقاء الفكرة بالحسِّ، وقد يكون الجمال مُبتكَرًا بلغة تَحمِل الأثر الجميل، كقصيدة أو رواية أو نثر أو نصٍّ مسرحي.
ولكي يبقى الشَّيء جميلاً؛ لا بدَّ أن يكون سالِمًا مِن النَّقائص، ولا بدَّ أن يكون مُتناسِقًا مُنتظمًا مُنضبطًا.
وجمال القاضي بعدله وإنصافه، وجمال الحاكم باهتمامه بشؤون رعيَّته، وسهره لأمنهم وراحتهم، وجمـال الغنيِّ بصدقته وإنفاقه، وجمال الفقير بكدِّه وعمله.
ولقد خاطبنا الخالق بالجمال، وأمرنا أن نرحل إليه وإلى منازله العليا، ونسير إليها سيرًا لا ينقطع، حتَّى يدركنا اليقين، ولا ينبغي للإنسان الكيِّس أن تعميه أغاليط المبتدعين عن محاسن الدِّين.
تلازمٌ مَع الحقّ:
والجمال عادة يتلازم مع الحقِّ والخير في مواءمة وتناسق وانسجام، والخالق هو الحقُّ الأعلى الَّذي لا يقـارب أحقيَّته حق، فهو الأوَّل والآخـر والظَّاهر والباطن، وهو بكلِّ شيء عليم.
والرُّسل الَّذين أكرمَنا الله بهم، كانوا صادقين أمناء، لا تأخذهم في الله لومة لائم، والكتب الَّتي أُنزلت عليهم ذِروة سامِقة مِن جمال.
وبما أنَّ القيَم الثَّلاث: الحق والخير والجمال، مُلتقية في الإله المعبود، وفي الرُّسل، وفي الكتب المنزَّلة؛ فإنَّ أحسنَ الأحوال أن تكون هذه القيم مُتداخِلة في حياة البشر.
والدَّعوة إلى الخير لا تكون إلا على الحق، ولا تقترن إلا بالحسن والجمال، والدَّعوة لا تكون إلا بالكلام الجمـيل الَّذي تأنَس به المسامع، وتطمئنُّ إليه القلوب؛ ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83].
الجمال - إذن - قرين الحقِّ والخير، وونحن نرى أنَّ مهمَّة البلاغة: الكشف عن الحق، ولا توجد البلاغة إلا حيث يوجَد الجمال، وما خلا مِن الجمال فإطلاق البلاغة عليه مُحال.
النص المعجز:
والنَّص القرآنـيُّ هو أحد موضوعات الجمال، يدعو الإنسان إلى التَّفكُّر؛ ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الحجر: 16].
والمعجزة القرآنيـَّة وضعتنا أمام وعي جماليٍّ جديد، نجد تجلِّياته في الفكر واللُّغة والسُّلوك والفنّ، ينطلق هذا الوعي مِن خالق الجمال البديع الَّذي ينبثق جمال الوجود كله مِن آثار جماله، فللّه - عزَّ وجلَّ - جمال الذَّات، وجمـال الصِّفات، وجمال الأسماء والأفعال.
ومِن كمال محبَّة الله: محبَّة الجمال والسَّعي إلى إدراكه؛ بل إنَّ منتهى جزاء الآخرة عند المؤمن رؤية وجه الله - عز وجل - الَّذي يفيض على وجوه النَّاظرين إليه نَضرة وجمالاً؛ ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة:22 - 23].
وإلى جانب معجزة جماليَّته، فإنَّ القرآن الكريم - في الوقت ذاته - مُعجزة عقليَّة، مِن حيث عمْق بيانه، وروعة أسلوبه.
والحديث النَّبويُّ امتاز بغاية الجمال، ها هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لمن يَطلُب منه وصيَّة: ((لا تغضب)) ، ويقول - عليهِ الصَّلاة وَالسَّلام - لرجل آخر: ((قل آمنت بالله، ثمَّ استقم)) .
كتابٌ عَظيم:
إنَّ الجمال كتاب عظيم، واضِعه مزيِّن الأرض والسَّماء، والمعرفة جمال، والذَّكاء جمال، والتَّضحية جمال، والحبُّ جمال، والإبداع جمال، وسحر قطرات النَّدى على وجه زهرة نَضِرة جمال، ودمعة طفل بريء على خدَّيه جمال، وبسمة الرُّوح جمال.
والجمال شعلة أخَّاذة تفتن الوجدان؛ لأنَّه إكسير الحياة الَّذي يتدفَّق في الشَّرايين كالسَّيل، ويَغمر الأرض، ويعدها بثوب فسيفسائيٍّ رسمته ريشة الإبداع.
الجمال ينبثق معبِّرًا عمَّا هو إنساني، وما أكثر ما ندَّد البيان الإلهيُّ بالموقف القبيح! يقول القرآن عن الطُّغاة مِن أمثال فرعون وهامان وقارون وغيرهم: ﴿ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾ [القصص: 42].
ولقد انعدمت قيمة الإحساس الجمالي لدى العابثين؛ لأنَّ حياتهم خالية مِن المعنى، شخص يَحسُّ بالقبح، نفسيته قاتِمة، وأخلاقه سيئة، وكثيرًا ما يتحوَّل إلى مُنحرِف لا يِمتلك عاطفة؛ لأنَّه يرى صور الحياة قبيحة، في حين أنَّ النَّفس الإنسانيَّة التي تُضيئها شموع الجمال في إطار حالِم، تنشِّئ "هسيس" الحياة، وتضفي على الآخرين رونقًا يَزخر بعطْر الجمال المضمخ بالعاطفة وصاحب النَّفس المضيئة يحبُّ الطَّبيعة؛ لأنَّه يقرأ فيها المعاني والأوزان والحركة والشِّعر والموسيقا والرَّسم، فالبحار والرِّياح كائنات تُصدِر موسيقا، وتَطرب بها ولها، وتلك هي صور الحياة الَّتي يَعيها الإنسان مِن خلال العيش بطريقة فنيَّة مُبتكَرة.
وحوى القرآن الكريم آيات كثيرة عن الجمال، مِن ذلك: ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ [المعارج: 5]، والصَّبر الجميل هو الَّذي يُضاف إليه الرِّضا وسَعة الصَّدر، الصبر الجميل هو الَّذي تَزدَان النَّفس فيه باليقين والثِّقة، وتمتلئ بالأمل، والرَّجاء، وتكون بمنأى عن الجزع والسَّخط على القضاء.
وجاء ذكر الصَّبر الجميل في موضعين آخرين مِن القرآن الكريم، كلاهما في سورة يوسف، الموضع الأوَّل جاء على لسان يعقوب - عليه السلام - وقد جاءه أبناؤه يُخبرونه بأنَّ يوسف قد أكله الذِّئب، وبرهنوا على قولهم بدمٍ كذب على قميصه، وبرغم الفاجعة الرَّهيبة على قلب الأب المؤمن، واجَه الأمر بأناة بالِغة، وثقة عظيمة، جعلته يَحسُّ أنَّ الأمر على غير ما صوَّر أبناؤه، وتذرَّع بالصَّبر الجميـل؛ يقول تعَالى حكاية عنه: ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18].
والموضع الثاني عن الصَّبر الجميل جاء أيضًا على لسان يعقوب، عندما جاءه نبأ احتجاز ابنه الثَّاني في سجن العزيز بمصر، فقال: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83].
والصَّفح في القرآن الكريم يتَّسم بالجمال، والصَّفح مِن أسمى الصِّفات؛ إذ هو يعني التَّغاضي عن إساءات الآخرين، وقد طلبه الله - تبارَك وَتعَالى - مِن نبيّه في مواجهة المُعرضين المُكذِّبين مِن قومه، مُبيّنًا له أنّه صاحب رسالة مهمَّتها الهداية، وعقاب الضَّالين مرجِعه لربِّ العالمين، والسَّاعة آتية لا ريب فيها؛ فقال تعَالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85].
والصَّفحُ في حدِّ ذاتِه شيء جَميل، وعندما يتَّصف بالجمال يكون صفحًا لوجه الله، لا يَجعله صاحبه حديثًا يُذكر به بين النَّاس.
والهجْر في القرآن يتَّسم بالجمال: ﴿ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10].
وذُكرَ السَّراحُ الجميل مرَّتين في مُحكم التَّنْزيل، وكلتاهما في سورة الأحزاب، أولاهما: في تخيير النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لزوجاته عندما سألْنَه التَّوسعة في النَّفقة، فقال ربُّ العالمين لنبيِّه:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 28].
وثانيتهما: مطالبة الأزواج الَّذين يطلِّقون الزَّوجات قبل الدُّخول، بأن يمتِّعوا الزَّوجات، والمُتعة كسوة ملائمة لمكانة المرأة ومستواها الاجتماعي، ثمَّ السَّراح الجميل دون بغي على الحقوق؛ قال تعالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49].
وسراح المرأة: أنْ تكون في حلٍّ مِن رابطة الزَّوجيَّة، فهو الطَّلاق، وهو أبغض الحلال إلى الله، لكنَّه مع وقْعه الأليم على النَّفس، فإنَّه عندما يقترن بالجمال نَحصل على ثمراته.
وبعد، يبقى الجمال الحقيقيُّ جمال النَّفس الذي يظهر في التَّعابير، ويدلُّ على النُّبل والتَّسامح، ويكون بمثابة سمفونيَّة تتسلَّل إلى باطن الإنسان، فتُحيي ملكة ذوقه، وتفتح قريحته، وتستحوذ على مشاعره، وتُنعشه برغبة البقاء مِن خلال توقه في تسلُّق دروب النَّقاء.


 
 توقيع : مهرة يام

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 27-03-2016, 07:18 PM   #2


محمد الغنامي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 887
 تاريخ التسجيل :  Feb 2011
 أخر زيارة : 18-05-2024 (12:42 AM)
 المشاركات : 40,829 [ + ]
 التقييم :  9630
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 مزاجي
لوني المفضل : Darkred
افتراضي



جزاك الله خير الجزاء
وجعلها الله في موازين حسناتك


 
 توقيع : محمد الغنامي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 27-03-2016, 07:29 PM   #3


خيال مطير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1630
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : يوم أمس (01:55 PM)
 المشاركات : 33,530 [ + ]
 التقييم :  29542
 مزاجي
لوني المفضل : Snow
افتراضي



بارك الله في جهودك
وأسال الله لكِ التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجركِ
ونفعا الله وإياكِ بما تقدميهــ

طرح جميل ياجميلةة وايطار رائعع من سموك


 
 توقيع : خيال مطير

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 27-03-2016, 08:38 PM   #4


النجلاء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1204
 تاريخ التسجيل :  Oct 2012
 أخر زيارة : 24-04-2020 (10:41 AM)
 المشاركات : 40,713 [ + ]
 التقييم :  20894
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 SMS ~
لوني المفضل : Darkgray
افتراضي



مهوره
جزاك الله خير الجزاء
وجعله الله في موازين اعمالك ان شاء الله
تقديري لك
النجلاء


 
 توقيع : النجلاء

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 27-03-2016, 09:36 PM   #5


ملكة الرواسي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1653
 تاريخ التسجيل :  Mar 2016
 أخر زيارة : 14-04-2024 (01:36 AM)
 المشاركات : 34,711 [ + ]
 التقييم :  10144
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 SMS ~
لوني المفضل : Black
افتراضي



الله يعطيك العافية ويكتب اجرك


 
 توقيع : ملكة الرواسي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 28-03-2016, 10:03 AM   #6
حزب الرعد


روابي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1505
 تاريخ التسجيل :  Apr 2015
 أخر زيارة : 09-03-2024 (12:29 PM)
 المشاركات : 7,039 [ + ]
 التقييم :  398
لوني المفضل : Lavender
افتراضي



موضوع قيم ومميز

وطرح اكثر من رائع

المهره الاصيله

بارك الله فيك


 
 توقيع : روابي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 29-03-2016, 05:35 AM   #7
مركز تحميل الصور


زهرة توليب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1012
 تاريخ التسجيل :  Sep 2011
 أخر زيارة : 05-02-2019 (11:29 AM)
 المشاركات : 1,940 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
لوني المفضل : Crimson
افتراضي



المهره الاصيلــة
جَزآگ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ
جَعَلَ يومَگ نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُا آلله في مُوآزيَنَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآعَطآئُگ.


 
 توقيع : زهرة توليب

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

Forum Jump


الساعة الآن 03:09 AM بتوقيت السعودية

converter url html by fahad

 




Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com

new notificatio by 9adq_ala7sas
الشركه المالكه