شبكة رواسي نجد الأدبية - تعويذة النمل عند البدو (لا تجينا.. ولا نجيك)

تعويذة النمل عند البدو (لا تجينا.. ولا نجيك)

يتحاشى ساكنوا القرى والمدن قديما عند اختيار بناء منازلهم مجاورة (مستعمرات) النمل الأسود قدر ما يمكن ويساعدهم على ذلك وفرة واتساع مساحات أراضي البناء ومثلهم البدو الرحل أو حتى المسافرون في الصحراء وذلك لاعتبارات دينية وأخلاقية حتى يتفادوا خيار إبادتها بالطرق العديدة التي يجيدونها ولكنهم في ظروف أخرى يجاورونها أو ينزلون عليها أو تحل عليهم هي بعد نزولهم سواء في بيوتهم أو مزارعهم, وهنا تنقلب المعادلة فيما لو فشلت أساليب التصالح المعتادة معها ويجد عند ذلك المتضرر سبيلا لهدم مستعمرتها أو حرقها بعد ما يكون قد استنفذ كافة السبل المتبعة لإبعادها سلميا ومنها الاستعاذة منها ثلاث مرات على فترات متباعدة أو الاستعانة بأحد الرجال المشهود لهم بمعرفة قراءات طرد النمل سواء ممن يحفظ آيات معينة من سورة النمل أو يحفظ بعضا من التعاويذ المتوارثة والمنتشرة بينهم والتي يجزمون بأن النمل يسمعها ويستوعب معناها وهي تعاويذ مركبة تأتي ضمن كثير من المعتقدات التي كانت تنتشر بين سكان الجزيرة وتطرق لها المستشرق الانجليزي ديكسون (عرب الصحراء) ومنها قراءات أو تعويذة طرد النمل حينما قال:
في الثاني عشر من شهر ديسمبر قمت بزيارة لخيام سالم المزين وخيام الخرميط من العوازم وكانت الخيام تقوم في واد منخفض إلى الجنوب من هضاب الظهر التي تبعد ما يقرب من خمس عشرة ميلا عن الكويت, وكان الجو جميلا دافئا في ذلك اليوم. فرأيت خارج خيمة سالم المزين في الجهة المقابلة لجناح النساء عشاً كبيرا أسود اللون للنمل, وكان النمل يتحرك حوله بنشاط, وكان هناك مدخلان للعش أحدهما للدخول والآخر للخروج , وكان بين المدخلين مسافة تقدر بأربعة أقدام.
ورأيت دائرة كبيرة مرسومة حول عش النمل بواسطة خندق بعمق بوصة واحدة وكان في داخل الدائرة المذكورة حبلان وضعا على هيئة دائرة أيضا من النوع الذي يستخدم لربط أعمدة الخيمة معا أثناء الانتجاع ولا تستخدم لأي غرض آخر.
وكان قطر الدائرة الكبيرة يقدر باثني عشرة قدما في حين كان قطر كل من الدائرتين المشكلتين بالحبال يبلغ قدما ونصف القدم وهي.
علامة على الأرض على هيئة خندق ضحل يعرف بعلامة سليمان بن داود.
حبلان موضوعان على هيئة حلقتين.
فسألت النساء عن اللعبة التي كنا يلعبنها هن وأطفالهن .!! فجاءت النساء وأوضحن لي أنها لم تكن لعبة بل هي (دائرة سليمان بن داوود) أو خطاب سليمان بن داوود.
وقلن لي بأنهن لم ترين عش النمل عند نصب الخيمة, وعندما رأينه وشعرن بأن النمل سيتجمع في الخيمة ويسرق ما يجد من رز وحنطة وضعن حوله حلقة سليمان ليمنعنه من مضايقتهن. ومن شأن هذه الحلقة أن تمنع النمل من مضايقتهن كلية. كما قلن لأنه لن يجرؤ على تخطي طرف حلقة سليمان, فسألت عمشة سيدة الخيمة إن كان من الضروري أن تقرأ عليه أية تعاويذ أو آيات لتجبر النمل على الطاعة, فقالت ببساطة: نعم يا أبا سعود ( لقب المستشرق) لأن الدائرة وحدها لن تجدي وعند ما طلبت منها أن تذكرها لي قالت:
هذا خطاب سليمان بن داوود:
بسم الله الرحمن الرحيم
(( لا تجينا .. ولا نجيكم ))!!
ثم إنهن قدمن, كما قالت للنمل بعض الشعير أو الحنطة هدية, وهكذا فإنه لن يقترب منهم أو يؤذيهم. وعند ما أعربت عن دهشتي وشكي في مفعول الدائرة أنّبتني عمشة بقولها أنني لا يجب أن أشك بقوة الدائرة بعد أن قرءوا عليها أسم الله. وكانت النتائج مرضية دوما وكان البدو في كل مكان يلجأون إلى هذه الطريقة للتخلص من أذى النمل.
وقد بلغ من إعجابي أن قررت أن أسجل هذه الظاهرة في مذكراتي. وأترك قرائي ليكوّنوا رأيهم بأنفسهم من حيث مفعول هذه الطريقة وقِدم هذا التقليد. وأنا أقول بصدق بأنني فعلا لم أر أية نمل بعد ذلك خارج الدائرة, مع أن النمل كان يحتشد حول مدخلي العش, وربما يكون النمل قد قنع بالهدية.
وقد شرحت لي عمشة فيما بعد أن الدائرتين الداخليتين المشكلتين بالحبال التي تستعمل بشكل خاص لربط أعمدة الخيمة معا عند ما تكون الأسرة في طريقها إلى نجعه جديدة هي الوحيدة التي تصلح لهذا الأمر, وأن أي نوع آخر من الحبال لن يجدي فتيلا ويبطل مفعول التعويذة.