شبكة رواسي نجد الأدبية - من روائع الشاعر الكبير عبدالله بن عبدالرحمن اللويحان رحمة الله عليه

لويحان الشاعر الذي لخص تجارب الآخرين بأبيات الحكمة

الشاعر الكبير عبدالله بن عبدالرحمن اللويحان المتوفى عام 1312ه أحدالشعراء المشهورين في الجزيرة العربية، وقد تناقلة الرواة أشعاره.. فهو شاعر بارع، ويتميز بأسلوب جميل في معانيه، وأبياته الجزلة التي تدل على تجربته الشعرية المتكاملة.

وقد تميزت أشعاره بالحكمة التي تطرب لها القلوب مما جعل الناس لا تمل من ترديد أشعاره حتى أصبحت بمثابة المثل الدارج بين عامة الناس، ولا تزال تعيش معنا حتى هذا العصر، وكثيراً ما يستشهد بها الشعراء المعاصرون.

ونجد في أشعار (لويحان) أنها تتميز بسهولة الحفظ والعاطفة الصادقة وكذلك جمال المفردات واحتوائها على الكثير من المعاني الجميلة والأهداف السامية.. وندخل الآن في فضاء الحكمة لشعر لويحان:

من عاش في حيله وكذب وتهاويل

يا سرع من عقب الطلوع انحداره

والشور ما ينفع قلوب المهابيل

كالزند وان حرك تطاير شراره

لو تأمره بالعدل يعرض على الميل

يستل على رايه بربح وخساره

والطبع ما ينزال غيره بتبديل

مثل الجدي مرساه ليله نهاره

والحنظلة لو هي على شاطي النيل

زادت مرارتها القديمة مراره

أبيات مفعمة بالحكمة التي تدل على فطنة الشاعر وفراسته وانتقائه للعبارات المناسبة التي أصبح لها صدى كبير في قلوب الناس، وما قاله الشاعر فيه دلالة كبيرة على استفادة الشاعر من تجارب الحياة.. وهدفه هنا الفائدة والمنفعة والصلاح.

أبديت ما أخفيت واخترت المصيب من النهاديب

أبيات يفهم لها من كان له قلب لبيبي

قالوا لي الناس شبت وقلت ما يزملني الشيب

من عاش ما مات لابده من الدنيا يشيبي

الشيب ما فيه لابن آدم مناقيد وعذاريب

غذّاه فضل الشباب وراح مرجاعه صعيبي

تسير الأقدار بالمخلوق تشريق وتغريب

برّق بزين القمر وإذا انتهى وقته يغيبي

كل على قد حاله مونس منها تجاريب

شي يعالج وشي يعجز عنه الطبيبي

يا طيّب العقل ما تكمل بدنياك المطاليب

تطيب لك حاجتين وثالثهن ما تطيبي

والرزق عند الخالق اللي يعلم الغيب

يرزق ضعيف العزوم ويرزق الشهم النجيبي

كثر الحرص مارزق فرخ الغراب ولا أشبع الذيب

كم ليلةٍ بات جايعٍ بأطراف الغريبي

يستهل الشاعر لويحان قصيدته بمخاطبة أهل القلوب ويتحدث عن الشيب وطلب الرزق والقدر والأمنيات فقد أورد الكثير من الحكم السامية وأهداف الحياة فمثل هذه الدرر الثمينة حقاً لا تزال باقية في عقولنا وقلوبنا ونتعامل بها في حياتنا.

لقد تميز الشاعر لويحان بكتابة الحكمة في أشعاره البليغة وذكرها في الكثير من قصائده المليئة بالحكمة التي تعتبر خلاصة تجارب الإنسان في هذه الحياة، ويتميز صاحبها بدرايته بخفايا الأمور.. فالحكمة تنير الدروب وتوعظ الناس، ويستفيد منها الإنسان في كل موقف وفي كل زمان ومكان.

البارحة ما هملج الطرف بنعاس

ما فاض من نجمٍ عيوني تخيله

لا باس يا عيني على السهر لا باس

على وليفٍ ما القى مثيله

عنا قطع شوف المواصل له ارماس

ولا في يدي من نابي الارداف حيله

فيما مضى يأخذ جوابي من الراس

واليوم لا عاني وانا ما اعني له

العشرة اللي ما توثق على ساس

تطيح لو صارت حصون طويله

يا ونتي منها المعاليق يبّاس

صبري قضى ما باقي الا قليله

صبرت صبراً صابني منه وسواس

صبراً له النفس العزيزيه ذليله

على وليف حال من دونه الياس

والياس طب للقلوب العليله

من يتبع المقفي مرده بالأفلاس

مثل الذي بالقيظ يدفق صميله

هذي دورب الحب جده ودراس

الله يمضيها بستر وجميله

موفقٍ للخير يا ظبي الاطعاس

لا تحسب الدنيا باهلها طويله

الصاحب الغالي نحطه على الراس

واللي يودك لا تدور بديله

وصلاة ربي عد ما هب نسناس

على نبيٍ وضح الله دليله

في هذه القصيدة الشهيرة يعبر لويحان عن عزة النفس بأسلوب جميل ومميز تفنن في صياغته بأسلوب الشعراء الأفذاذ فقد وضحت الحكمة في قصائد شاعرنا وها هو يذكرنا بالصبر ومصاحبة الأوفياء والبعد عن الأنذال.. ولا يختصر على ذلك فقط بل ان من يقرأ هذه القصيدة يلمس مدى عمق الأبيات وهدفها النبيل في جميع شؤون الحياة.

أقول فعّال الجميل يسود

والطيب ما له بالرجال حدود

ومن شح في جاهه وفي بذل ماله

عده مع اللي باللحود أرقود

إلى صار يدركها ولا يفتخر بها

عن البيض جنب للخصال السود

يفخر بجدان تحت غايب الثرى

وهو عن سنعهم معطي أصدود

ما كل مالود يجي مثل والده

شتان ما بين الردى والجود

حشا ما أخص بها من الناس واحد

والشاهد الله والعباد شهود

أشكر بها أهل الثنا.. والمروه

اللي لهم فعل الجيل يعود

نطاحة الواجب على اللين والقسا

عسى لهم كل الليال سعود

وأنا أقول لا نطح المراجل وهيبته

والطيب ما له بالرجال حدود

يرى الشاعر ان فعل المراجل من أفضل صفات الرجال الذين يتعاملون بها.. فالمراجل من الأخلاق الأصيلة والصفات العريقة التي يعرف بها أصحاب النفوس الرفيعة والقلوب الكبيرة التي تحمل داخلها قوة العزائم والهمم والرحمة والحب والمودة، ولا شك ان الغاية والمقصد من المراجل هو الأجر والثواب من الخالق - عز وجل - وكسب تقدير ومحبة الناس والسمعة الطيبة، والإنسان العربي معروف بكرمه ومراجله التي اتصف بها وتوارثها عن أب وجد.. كما تحدث الشاعر عن نقيضة صفة المراجل وهي البخل الذي يعد أحد أسباب المشاحنات والبغضاء وكل ما يعكر صفو العيش بين الناس.

رحم الله لويحان أبلغ وأشهر الشعراء فقد أبدع في توظيف الحكمة في أشعاره التي لا يمل من سماعها وقراءتها وترديدها.. فما أجل الحديث عن شاعرنا لويحان وعن أشعاره النادرة فأغلبها مليئة بالحكمة وجميعها تتسم بالجزالة وعمق المعاني وروعة التصوير.. كما تبين لنا ذلك فيما سبق من عرض أشعاره النادرة التي تبين قيمة حياة الإنسان، وتحثنا على الأخلاق الطيبة والمراجل والمروءة والشهامة والشجاعة فلولا هذه الصفات الحميدة لم نشاهد المحبة والتآخي في المجتمع.

خيال ~