المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نجد.. آسرة العربي وملهمة الشعراء عبر القرون


خيال مطير
08-10-2017, 02:13 AM
نجد.. آسرة العربي وملهمة الشعراء عبر القرون

الحنين إلى صباها وعشق رياضها ومروجها ورمالها وجبالها حيّر المؤرخين مئات الشعراء تغنّوا بنجد رمزاً للجزيرة العربية وبحثوا عن الريح القادمة من الشرق * ظلت عبر تاريخها جاذبة وطاردة للسكان.. ومرتعاً للعابثين واللاهين والملتاعين على فراقها



http://archive.aawsat.com/2009/01/09/images/ksa-local1.502099.jpg
الملك عبد الله في رحلة صيد برية


http://archive.aawsat.com/2009/01/09/images/ksa-local2.502099.jpg
الملك عبد العزيز في رحلة برية في الصحراء




http://archive.aawsat.com/2009/01/09/images/ksa-local3.502099.jpg
الملك فهد والأمير سلمان في رحلة برية


http://archive.aawsat.com/2009/01/09/images/ksa-local4.502099.jpg
روضة التنهات وقد كساها الربيع



http://archive.aawsat.com/2009/01/09/images/ksa-local5.502099.jpg
الملك عبد لله في صورة قديمة خلال رحلة قنص بالصقور



http://archive.aawsat.com/2009/01/09/images/ksa-local6.502099.jpg
الملك فيصل مع أحد ضيوف بلاده في خيمة في الصحراء


http://archive.aawsat.com/2009/01/09/images/ksa-local7.502099.jpg
الملك خالد وبجواره الملك فهد في البر


الرياض: بدر الخريف وعبد المحسن المرشد


استهوت الصحراء العربي منذ القدم، فقبل قيام المستوطنات والحواضر كانت الصحراء هي بيت العربي، وفي سهولها ومفازاتها وبين وحوشها تنقل العربي حاملاً خيمته وسيفه ودرعه وعصاه يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، وتحت أشعة الشمس الحارقة وفي هجير الصحراء سار العربي يلاحق السراب بحثاً عن مورد ماء ليرتوي منه يطفئ به عطشه ويسقي ماشيته ليعاود المسير، ويقف عند شجرة يستظل بها، ووريقات خضراء لترعى منها إبله وغنيْماته وشياهه. وفي المساء يلتحف السماء؛ يراقب نجومها وقمرها، ليستسلم لنومة تقطع متعتها أصوات أناشيد الرعاة، ورغاء الإبل وثغاء الأغنام وهي تستعد لرحلة جديدة في عالم الصحراء. وعندما تجود السماء بالماء وتتحول السهول وبطون الأودية ومنحدرات الجبال إلى بساط أخضر وتبدأ الأرض بالنماء يفرد العربي خيمته ويضرب أطنابها بالقرب من الآكام ومنابت الشجر، ويستقر لأيام محدودة يعاود بعدها الترحال بحثاً عن الماء والكلأ ومضارب القوم. وفي كل تنقلاته يحمل عاشق الصحراء ربابته ويعزف منها ألحانه، وإن لم يجدها صدح بصوته مردداً أهازيج وأشعاراً يقطع بها وحشة الصحراء، بعد أن تدثر بجبته وغطى هامته اتقاء ذرات الرمال من أن تصل إلى عينيه وأنفه أو أذنيه، مردداً مع زعيم الصعاليك:
أقسم جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قراح الماء والماء بارد

* وعندما بدأ العربي في الاستقرار عبر مضارب العشيرة والمدن والحواضر، كانت الصحراء بفضائها الواسع مقصده، يضع بين صخورها ورمالها متاعب رحلته مع اللامنتهى والمجهول، ومع صراعه مع الدهر وتقلباته. لقد كانت الصحراء، ولا تزال، واجهة العربي وملهمته، فهي مدرسة لكل الطبقات؛ في فصولها يتعلم الصبر، وعلى امتداد فضائها الواسع يستنشق الصفاء، ومن حفيف شجيراتها يطرب مع الموسيقى التي لا تحتاج إلى عازف أو فنان. وعندما يعظم ضوء ناره يتجمع الندماء على ضوء القمر وعواء الذئاب وصفير الثعل والبوم، لتدور الأحاديث والقصائد.

كان ذلك في الزمن الماضي، أما اليوم فرغم أن الصحراء هي الصحراء فإن طقوس العشق والتنزه وأدواتها تغيرت باستثناء الخيمة والنار وفناجين القهوة. وتعد نجد أكثر المناطق التي ارتبطت بعلاقة من الود والمحبة لدى العربي، سواء أكان من سكانها أومن خارجها، لأن صحراءها وجبالها ورمالها ورياضها وفيافيها وأوديتها كانت ملهمة لهم، وحباً دعاهم لزيارتها والنوم بين أحضانها من سهول وجبال. وعندما يشح المطر أو تتردى الأوضاع الاقتصادية والأمنية يحمل العربي لفافاته مغادراً نجد، وفي قلبه حسرات عليها، في حين يبقى سكانها في ارتباط شرطي بالأرض لا يبرحونها.

ما الذي يستهوي الناس في هذه الصحراء، وما هي قصة العربي تجاه نجد على مر التاريخ..

تساؤلات كثيرة تُطرح حول السر الذي جعل العربي أسير هوى نجد.. ليس فقط من سكانها بل من خارجها حتى أولئك الذين مروا بها أو سمعوا عنها.

ومثلما استهوت نجد أبناءها استهوت أيضاً الشعراء والرحالة والمؤرخين والأدباء من عشرات القرون إلى اليوم، واختصر ياقوت الحموي في كتابه الشهير (معجم البلدان) ما ذكره الشعراء عن نجد بقوله «ولم يذكر الشعراء موضعاً أكثر مما ذكروا (نجداً) وتشوقوا إليها من الأعراب المتضمرة». وأورد بعضاً مما يحضره عن ذلك من خلال ست عشرة قصيدة لستة عشر شاعراً جعلهم كلهم أعراباً، أي إنه لم يسمِّ أياً منهم.

ولعل السبب في عدم نسبة ياقوت هذه القصائد لقائليها، إقامته بعيداً عن نجد وعدم اختلاطه بأهلها.

ولعل أبرز القصائد التي نسبها الحموي إلى الأعراب، قصيدة الصمة بن عبد الله القشيري التي منها:

* سقى الله (نجدا) من ربيع وصيف ـ وماذا ترجى من ربيع سقى (نجدا)

* بلى إنه قد كان للعين قُرّة ـ وللبيض والفتيان منزلة حمدا وأيضاً قصيدة للصمة منها:

* أقول لصاحبي والعيس تهوى ـ بنا بين المنيفة فالضمار

* تمتع من شيم عرار نجد ـ فما بعد العشية من عرار .

ملهمة الشعراء

* وأورد الباحث والمؤلف محمد الحمدان قصائد لـ 313 شاعراً عاشوا في فترات زمنية مختلفة أبدوا مشاعرهم نحو نجد، منهم غيلان بن عقبة العدوي المعروف بـ (ذي الرمة) صاحب الدهناء وشاعر الصحراء والطبيعة والحب، ومالك بن الريب، وقيس بن الملوح (مجنون ليلى)، وجميل بثينة، وكثيّر عزة، وجرير بن عطية الخطفي، ونوح بن جرير الذي تمنى أن يموت في نجد لا في بغداد، والطرماح الذي مات قبل 1400 عام، ويزيد بن الطرثية الذي تغنى بنجد إلى حد الوله، ويحيي بن طالب الحنفي الذي عاش في قرقرى في إقليم اليمامة وفر إلى خراسان بعد أن تراكمت عليه الديون فلم يستطع سدادها فاشتاق إلى نجد واليمامة ومدنها، والشاعر أبوتمام، وديك الجن الحمصي، وأبوفراس الحمداني، وبديع الزمان الهمذاني، والشريف الرضي، وأبوالعلاء المعري شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء، وعلي بن الحسن البغدادي (صر در)، والشاعر الأندلسي ابن خفاجة.. وغيرهم من الشعراء، كما أورد 42 قصيدة من الشعر الشعبي (العامي) عن ما قيل في نجد.

ولاحظ الحمدان أنه بقدر ما ذكر الشعراء (نجدا) ذكروا (صبا نجد) وهي الريح القادمة من الشرق ذات النسيم الطيب والهواء العليل.

وأشار إلى أن الشعراء حين تغنوا بنجد وصباها ورُباها لم يهملوا نباتاتها العطرة ذات الروائح الزكية المنوعة والألوان الزاهية، مورداً أكثر من 23 نوعاً من نباتات نجد التي وردت في شعر الأقدمين معروفة بأسمائها إلى الآن، ورأى أنها لا توجد في غير نجد، معرّجاً على خواصها وأشكالها ومنها (العرار، العرفج، الشيح، الحرمل، القيصوم، الحنوة، الخزامى، الإثل، الأقحوان، النفل، الغضا، المرخ، الرمث، العشر، الرند، الجتثاث، البان، الأراك، الحوذان، السرح، الأرطى، الطلح، التمام) كما أورد أسماء محلية لنباتات موسمية كل منها له طعم خاص مثل (القرقاص، وبصل البر، والعرجون، والبقرا، والبسباس، والذعلوق، والحماض، والحميض، والحمبصيص، والفقع، والكمأة، والحوا، والحزا..) وفي كتابه (صبا نجد) ذكر محمد الحمدان المؤلف السعودي المعروف وصاحب مكتبة قيس، شيئاً عن أرض نجد وحدودها مورداً قول ياقوت الحموي في معجم البلدان:

«نجد بفتح أوله وسكون ثانيه قفاف الأرض وصلابها وما غلظ منها وأشرف أي إنه ما ارتفع عن الأرض» وقال الأصمعي «كل ما ارتفع عن تهامة فهو نجد والنجود عدة: (نجد) برق، (نجد) خال، (نجد) عفر، (نجد) كبكب، (نجد) مريع». وأورد الباحث نبذة مما قيل في نجد من غير الشعراء مبتدئاً بقول ابن جبير أبي الحسين الكناني الذي وصف نجد في رحلته فقال: (بعد مغادرة المدينة بثلاثة أيام نزلنا بوادي العروس ثم صعدنا منه إلى أرض (نجد) ومشينا في بسيطة من الأرض ينحسر الطرف دون أدناها وتنسمنا نسيم (نجد) وهواءها المضروب به المثل، فانتعشت النفوس والأجسام ببرد نسيمه وصحة هوائه، وما أرى في المعمورة أرضاً أفسح بسيطاً ولا أطيب نسيماً ولا أصح هواءً، ولا أمد استواءً ولا أصفى جواً، ولا أنقى تربة، ولا أنعش للنفوس والأبدان ولا أحسن اعتدالاً في كل الأزمان من أرض (نجد) ووصف محاسنها يطول والقول فيها يتسع). أما ابن بطوطة محمد الطنجي في رحلته التي مر خلالها بنجد قاصداً العراق بعد أدائه فريضة الحج فوصف نجداً فقال: (ودخلنا أرض نجد وهو بسيط من الأرض مد البصر فتنسمنا نسيمه الطيب الأرج). وقالت آن بلنت، الرحالة الإنجليزية في كتابها (رحلة إلى بلاد نجد) تحت عنوان (نسيم نجد) وفي الوقت نفسه كان أمامنا على أي حال أربعة أيام من الراحة، ومن الهدوء الذي تمنحه الصحراء وحدها واتفقنا على التمتع بها حتى النهاية، هناك شيء ما في هواء نجد كفيل بأن يبهج حتى إنسان مدان.. ومن المستحيل أن تحس حقاً بأنك مغموم أو قلق حقاً مع شمس ساطعة كهذه وهواء نقي منعش كهذا). واعتبر محمود شكري الألوسي في كتابه (تاريخ نجد) نجداً من أحسن أقطار الأرض العربية وأعدلها مزاجاً وأرقها هواءً وأعذبها ماءً وأخصبها أرضاً وأنبتها أزهاراً ونباتاً، أوديته كالرياض وأغواره كالحياض. وللدكتور عبد الرحمن عزام في كتابه «مهد العرب» قطعة نثرية رائعة عن (نجد) قال فيها:

(نجد الفيحاء الخضراء ذات الأودية والمروج والقرى والحدائق وذات الجبال والسهول، والمدر والوبر، ومتقلب القبائل الكبيرة، ومسرح الجياد العربية الأصيلة) نجد ملعب الصَبا والنعَامى ومنبت العرار والخزامى ومرتع الشعراء، تجاوبت أرجاؤها بأشعارهم، وروت غدرانها ورياضها أخبارهم، بلاد امرئ القيس، وطرفة، والحارث بن حلزة، وأوس بن حجر، وزهير، وعنترة، ومنشأ جرير والفرزدق التي حفظ العربي ذكراها وردد خارج الجزيرة صداها وحنّ إلى صباها..

ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد لقد زادني مسراك وجداً على وجد

* نجد التي أثارت الهوى والفتون، ونشّأت ليلى والمجنون، نجد أجا وسلمى وأبانان، وحيث سهل القصيم والصمان، وحيث اليمامة ذات النخيل والزروع، والأودية والعيون، مسارح الجلال والجمال، ومشاهد البداوة والحضارة، مجال النشاط والقوة، والمروءة والفتوة. ويضيف فؤاد شاكر أن الشعراء المعاصرين وغير المعاصرين قد اندفعوا اندفاعاً طبيعياً لا أثر للتكلف فيه في وصف نجد ومغانيها ومرابعها ومباهجها حقيقة وخيالاً. وقال شاكر في مقال له بعنوان (نجد على ألسنة الشعراء) نجدٌ اسم تناولته ألسنة الرواة والمحدثين والأدباء منذ القدم وتغنى به الشعراء في مناسبات عديدة ولن أستطيع أن أحيط بكل ما قيل في نجد. أما الراحل الشيخ علي الطنطاوي فله رأي في نجد في كتابه (نفحات من الحرم) حينما قال «وهل في معجم القومية كلمة أظهر وأيسر من نجد دار العرب وملهمة الشعراء ومثابة الهوى، هل في الأرض كلها على رحبها واد أو جبل... قال فيها الشعراء (شعراء كل أمة) مثل الذي قال شعراء العرب في نجد من شعراء الجاهلية الأولى إلى هذه الأيام، لا يضيق مكان القول في نجد، ولا يفرغ الشعر من الكلام عن نجد».

وقال محمود شاكر إن نجداً كلمة فيها معاني القوة، ونجد مصطبة أهل الصحارى يجلس عليها السمّار يتحدثون في ضوء القمر لا يحجزهم عن نورهم مانع، ويضيف: حينما تهب النسمات على رجال الصحاري يستشعرون ريح نجد وحيثما هبت ريح هادئة أو نسمة نشطة أعادوها إلى نجد أو ظنوا أنها من هوائه. ورسم الكاتب السعودي عبد الكريم الطويان لوحة جميلة عن نجد وسر عشقها، فقال: لقد أحب العربي في نجد صفاء ليلها ونقاء سمائها، أحب سهولها النقية ورياضها العذبة، أحبها حين تمطر، أحبها حين تفوح روائح نبتها، أحب حطبها الجزل وهضابها السمر، أحب النخيل في واحاتها وقطار الإبل في سهولها وركض الخيل في سهوبها وقطعان الشاه في رياضها، لقد أحب العربي نجداً فتغنى فيها وقال فيها القصائد العربية فتحولت نجد إلى محبوبة رائعة، ويضيف الطويان: إذا تتبعنا كثيراً من القصائد العربية الفصحى لوجدنا الشاعر العربي يستفتح القصيدة بذكر محبوبته، وإذا عدل عن محبوبته – المرأة – فإن محبوبته (نجد) هي البدل الآخر والأنسب.

وللصحراء وهجها على مر التاريخ فكانت المعلم الأول في كثير من العصور للغة العربية حين كان ابتعاث الأبناء إليها يتم منذ الصغر للتعلم والتدرب على حياة الرجولة التي كان يتمتع بها أبناء الصحراء من صفات الشهامة والكرم والفروسية وغيرها. وكان الخلفاء والملوك منذ القدم أيضاً يبعثون بأبنائهم إلى الصحراء ليتعلموا منها أشياء كثيرة منها اللغة والفصاحة والعادات الحميدة، ذلك أن الصحراء بسعتها وحريتها وسماحتها هي التي صقلت اللسان العربي فجعلته على هذا المستوى من البيان والفصاحة والجمال، كما أن هذه الفاتنة السمراء كانت ملهمة الجميع، وأوحت تلالها المقفرة ورمالها المستعرة بما لم توحِ به أي منطقة أخرى تفوق نجداً خضرة وجمالاً واعتدال المناخ. ولازم هذا العشق لـ(نجد) سكانها على مدى قرون، فقد كانت الصحراء عشقهم إلى اليوم، فأودية نجد ورياضها ورمالها أصبحت متنزهاً لسكانها ملوكاً وشيوخاً وأمراء ومواطنين، بل إن المقيمين فيها من الجنسيات المختلفة، وخصوصاً الغربية، أعلنت حبها وعشقها لنجد، وصحرائها، ولذلك رأينا الرحالة الغربيين والمستشرقين يطيلون زياراتهم وتجوالهم في تلك الصحاري وصدرت الكتب والروايات والمذكرات عن تلك الرحلات مزودة بصور مثلت أيضاً تاريخاً لـ(نجد) المحبوبة، كما نراهم حالياً يتجهون صوب الصحراء، ولعل نجداً بصحاريها وما تضمه من جمال ورياض أوجدت مناطق جذب سياحي وخصوصاً موسم الربيع، فحين تمطر السماء تجري أوديتها وتروي المياه رياضها وسهولها وجبالها، والقصص تروى عن وديانها العظيمة التي شُبهت بالأنهار، كما اشتهرت بأزهارها وعشبها وشيحها وخزامها التي أيضاً أعطت زائرها الكثير من العلاجات لأمراض قد تواجه ساكن الصحراء أو زائرها، إضافة إلى ذلك باتت الصحراء في وقتنا الحاضر وجهة للعائلة السعودية وأيضاً للمقيمين بالذات في حواضر نجد لأن العشق طالهم لنجد وبراريها وصباها. ويشق نجداً العديد من الأودية التي تحتفظ بالماء بعد نزول الأمطار في فصل الربيع مما يسمح بقيام مستوى بسيط من الزراعة. وتقع معظم بلدان نجد على جوانب هذه الأودية التي أشهرها وادي حنيفة الذي يخترق مدينة الرياض من الشمال إلى الجنوب، ووادي الرمة في القصيم الذي يغوص في رمال صحراء الدهناء ليظهر على الجانب الآخر باسم وادي الباطن، حيث توجد أكبر المراعي في الجزيرة العربية في فصل الربيع (ويبدأ مجرى وادي الرمة عند جبال الهضب وجبل أثقب الواقعة جنوب قرية الروض (روض ابن هادي)، وهذه القرية هي أسعد القرى الواقعة في أعلى وادي الرمة حيث تشهد أولى خطوات الوادي نحو مسيرة 650 كلم والمنتهية عند قرية البندرية في القصيم، وهذا الوادي العملاق كان نهراً جارياً يمتد إلى شط العرب في جنوب العراق إلا أن فترات الجفاف أدت إلى زحف الرمال لتقطع أوصال النهر الجاف إلى ثلاثة أجزاء).

كما يشق نجداً وادي سدير (الفقي قديماً) في شرق نجد، ووادي الخرج جنوب شرق الرياض، ووادي برك، وادي بريك، الذي تقع عليه حوطة بني تميم، (ذو المجازة قديماً) وهي أسفل الباطن في حوطة بني تميم ووادي نعام الذي تقع عليه بلدة الحريق، ووادي الدواسر في أقصى جنوب نجد، وأودية كثيرة أخرى مثل وادي نساح ووادي لحا ووادي ماوان، ينحدر أغلبها على جوانب جبل طويق.

وينتشر في غرب وشمال هضبة نجد الكثير من الجبال الجرانيتية والبازلتية السوداء الصلبة، مثل جبل العرض الذي تقع عنده بلدة القويعية. إلا أن أشهر هذه الجبال هما الجبلان أجا وسلمى عند مدينة حائل التي تقع في شمال غربي نجد تقريباً، وهما أعلى نقطتين في نجد، إذ يصل ارتفاع جبل أجا نحو1560 م وارتفاع سلمى إلى أكثر من 1200 م.

ومن المعالم المهمة الأخرى في نجد النفود الرملية مثل نفود الثويرات بين الزلفي والقصيم، ونفود السر في وسط نجد إلى الغرب من جبل طويق، وكذلك عيون وبرك الماء كما في منطقتي الأفلاج والخرج، وإن كانت غالبية هذه البرك قد جفت خلال القرن الماضي.

تتميز الجهات الغربية والشمالية بأراضيها الواسعة الصالحة للرعي، ولذلك كانت مدار صراع وتنافس بين القبائل البدوية على مر التاريخ. ومن أهم المراعي في نجد عالية نجد الواقعة بين الحجاز وجبل طويق، ومناطق الصمان والدبدبة المتاخمة للعراق، التي يخترقها وادي الباطن، أحد أطول أودية الجزيرة العربية. إلا أن تلك الأماكن لا تمتلك الخصوبة ولا الأودية العميقة الصالحة للزراعة والاستقرار، ولذلك تركز التحضر في نجد على جبل طويق (عارض اليمامة أو العارض قديماً). وتنقسم حواضر نجد إلى عدة أقاليم أهمها:

* جبل شمر - ويقع في شمال غربي هضبة نجد إلى الجنوب من صحراء النفود، وهي موطن حاتم الطائي في القديم، ومدينته الرئيسية حائل.

* القصيم - يقع جنوب شرق جبل شمر، وقد كان فيما مضى أكبر أقاليم نجد من حيث السكان نظراً لخصوبة أرضه ووفرة مياهه الجوفية على الرغم من النفود الرملية التي تتخلل أرجاءه، وأهم مدنه بريدة وعنيزة والرس والبكيرية وعيون الجواء والمذنب والبدايع ومدينة العمار.

* الزلفي - وهي المنطقة الواقعة حول مدينة الزلفي إلى الشرق من القصيم على حدود صحراء الدهناء.

* سدير - تقع جنوب القصيم على الجانب الشرقي لجبل طويق، واسم المنطقة القديم وادي الفقي. أهم بلدانه حرمة والمجمعة وجلاجل وعودة وعشيرة والغاط وحوطة سدير وروضة سدير وتمير والتويم.

* الوشم - يقع بمقابل سدير على السفح الآخر (الغربي) لجبل الطويق، وهو معمور منذ القدم وأشهر بلدانه شقراء وأشيقر وثرمدا وأثيثية والقصب ومرات.

* السر - وهي نفود رملية تقع غرب الوشم وأهم بلدانها البرود ومدينة ساجر ومدينة أوثيلان.

* المحمل – وهو مجموعة من الأودية الصغيرة المنحدرة على السفح الغربي لجبل طويق ما بين سدير والوشم، وأهم بلدانه ثادق ورغبة والبير.

* الشعيب - وهو وادٍ خصب يكثر فيه الشجر ويقع فوق جبل طويق إلى الجنوب مباشرة من المحمل، واسمه القديم وادي قرّان. أهم بلدانه حريملاء والقرينة وملهم، كما كانت تقع فيه بلدة قديمة تدعى قريّة كانت من أهم حواضر المنطقة في القرون الإسلامية الأولى.

* العارض - ويقع على الجزء الأوسط من هضبة طويق إلى الجنوب من سدير والوشم والشعيب والمحمل، وهو ربما أقدم المواطن المعمورة في نجد إلى جانب الخرج، وأهم بلدانه تاريخياً الرياض ومنفوحة والدرعية والعيينة الواقعة على جوانب وادي حنيفة. ويلحق بالعارض عادة قرى وادي البطين الواقعة إلى الغرب، وتشمل بلدان ضرما والمزاحمية والغطغط.

* العرض - جبل جرانيتي يقع 180 كلم غرب الرياض على طريق الحجاز، وأهم بلدانه القويعية، وعندها يبدأ التحول من الحواضر إلى البوادي في غرب نجد.

* عالية نجد - وهي المرتفعات الغربية الواقعة على حدود الحجاز، وهي قليلة السكان وغلب عليها تاريخياً الطابع البدوي، وتبدأ من عند مدينة الدوادمي وتنتهي عند بلدة الحناكية على مشارف المدينة المنورة وتعتبر بعض القرى والهجر من أقدم القرى النجدية منها السورقية ومهد الذهب، وواديا رنية والخرمة قرب مكة، كما تشتمل على العديد من الهجر المنشأة في بداية القرن العشرين مثل هجرة عفيف وعروى والشعراء ونفي والبجادية ورويضة العرض وسنام.

* الخرج – وهو وادٍ كبير تصب فيه عدة أودية أخرى، مأهول منذ أقدم العصور. أهم بلدانه الدلم والسيح واليمامة التي تسمّت بها المنطقة لقرون طويلة. وقد اندمجت معظم هذه القرى (باستثناء الدلم) في مدينة الخرج الحديثة.

* الفرع – وهو اسم يشمل منطقتي حوطة بني تميم والحريق إلى الجنوب من الخرج، بالإضافة إلى قرى نعام والحلوة، وهي تعد أحياناً ضمن مسمى «العارض» نظراً لوقوعها في جوف جبل العارض (طويق).

* الأفلاج - وتقع إلى الجنوب من الحريق، وهي عبارة عن واحة كبيرة تحتوي على عدد كبير من القرى الصغيرة والمزارع، وكانت إلى وقت قريب تحتوي على عيون ماء كبيرة وقديمة. أهم بلدانها ليلى التي يقال إنها سميت بذلك نسبة إلى ليلى العامرية، بالإضافة إلى الهدار.

* وادي الدواسر – وهو آخر الأماكن المأهولة جنوب نجد، ويقع على حدود الربع الخالي، وكان يسمى حتى القرن الخامس عشر الميلادي باسم «وادي العقيق» و«عقيق اليمامة» و«عقيق بني عقيل» و«عقيق تمرة». وأهم بلدانه الخماسين واللدام، كما تقع على طرفه الشرقي بلدة السليل بالإضافة إلى آثار قرية الفاو التاريخية.

كما يعد وادي سبيع بالخرمة من أشهر أودية عالية نجد وأعذبها مياها وأصلحها زراعة، والوادي كان قديماً من أكثر الأودية التي تغطيها النباتات من الضفتين الشرقية والغربية، بحيث لا يستطيع العابرون أو سكان البادية قديما العبور منه إلا من أماكن محددة ومن أشهرها وأقدمها الممر الذي ينسب إليه تسمية الخرمة أي من كلمة خريمة، وهو الممر الضيق بين النباتات، والوادي منذ القديم يعتبر مكان استيطان وزراعة لوفرة مياهه العذبة وخصوبة أرضه، ومن أشهر زراعاته النخيل ويحف به حالياً شجر الأثل المعروف ويوجد في أعلى الوادي الغريف وهو ما يعرف قديماً باسم بستان بني عامر وهو أقدم استيطاناً وزراعة ويوجد على حافته الحرة التي يوجد بها آثار قديمة ومن أهمها دوائر حجرية في منطقة الذريبات ومرابط الخيل ومصائد النعام.

هجرة وجدب

* ورغم أن نجداً ملهمة الشعراء فإنها كانت في يوم من الأيام تبث روح الهمة في البحث عن لقمة العيش خارجها كما للهجرات من العديد من أبنائها في بلاد الرافدين والشام ومصر وغيرها وعادوا محمّلين بالخير والخبرة الحياتية للمشاركة في بناء مجتمعهم، كما أنها في وقت قديم كانت أيضاً منطقة طاردة للسكان، حيث غادرها مجموعة من أبنائها بعد أن حل بها الجفاف في سنوات عجاف وارتحلوا إلى أنحاء متفرقة من المعمورة، قبل أن يصلها التطور والمدنية.

وهنالك نماذج لهذه الرحلات القسرية أقرب للأسطورة منها إلى الحقيقة، ولعل أبرزها قصة بني هلال القبيلة النجدية التي حل بها القحط فارتحلت إلى تونس الخضراء.

فقد ذكر الرحالة داوتي عام 1876م إحدى تلك الروايات الشفهية حول هذا الارتحال وإن لم يتطرق إلى كيفية الدخول إلى تونس كما لم يذكر شيئاً من الآبار الهلالية ولا نهجهم الخاص ببناء القصيدة العامية ولا اللحن الهلالي المغنَّى المعروف الذي بقي حتى يومنا هذا ولم يذكر البئر العظيمة التي ندموا على تركها وتعمدوا دفنها وإخفاءها قبل الرحيل والتي رأوا أن أحداً لا يستحقها بعد رحيلهم والتي لم يعثر عليها الباحثون حتى يومنا هذا رغم تحديد موقعها:

* رحلنا ولا أبقينا بنجد حسايف ـ إلا (عيلم) بين اللواء وزرود

* ألفين ورد الماء وألفين صدرها ـ وألفين يأتي مع الحماد أورود.

ونقل داوتي تلك القصة من دليله «زيد الفقراء» بعد أن أطلعه على رسم نقش فوق الصخور لأبي زيد الهلالي وزوجته عليا قال عنه داوتي إنهما رسمان قديمان مثيران حفرا بقطعة حجرية على الصخر الرملي وهما محفوران بعناية وإتقان، ثم يقول: سألني البدو إن كنت قد زرت تونس في رحلاتي وعما إذا كان بنو هلال لا يزالون أناساً عظماء في ديرتهم تلك. فبنو هلال كما يحكون عنهم كانوا مجموعة من عدة قبائل نجدية تجمعوا في وقت ضَرَب الجفاف فيه أرضهم لمدة سبع سنوات ونفقت مواشيهم فتحركوا بحثاً عن أرض حباها الله بالماء والكلأ، جربوا قرية البلقان أولاً ثم توجّهوا نحو مصر حيث استقر بعضهم وسار أكثرهم غرباً واستولوا على مراعٍ جديدة في بلاد البربر، وتقول مأثورات البدو الشفهية إن بني هلال استقروا أساساً في تخوم تونس وقد ظل الناس البسطاء في كل قبيلة وكل واحد زرته في شبه الجزيرة العربية يسألونني أنا الآتي من أقصى الشرق إن كنت قد قابلت بني هلال فإن أجبت أنهم جيراننا صدقوا ذلك، وإن قلت إني واحد منهم اعتبروني كذلك. ويتبجح بعض الرحالة المغامرين في شبه الجزيرة، خاصة إن كانوا طوال القامة، أنهم من بني هلال، وتنشد سيرة بني هلال في كل مجموعة من بيوت الشعر في هذه الصحراء غير المتناهية، فهي كتاب مقدس غير مكتوب يثير في الشباب تباهي التحرر وبسالة الميدان.. إننا لنجد بين كل عشرة رجال كثيرين لا يستطيعون أداء صلواتهم لأنهم لا يحفظون سوراً من القرآن الكريم عن ظهر غيب لكننا قلَّ أن نجد في مائة منهم أطفالاً لا يتردد على شفاههم بيت شعر من سيرة بني هلال. ملوك ورياض

* ولعلنا لا ننسى حكام نجد منذ القدم وحتى قيام الدولة السعودية حيث كانت لهم قصص حب وود مع صحاري وفيافي نجد، حيث كانت الرحلات الموسمية في أيام الربيع والأمطار لرياضها المشهورة أمراً طبيعياً دأب عليه ملوك الدولة السعودية حتى إن بعض الرياض ارتبطت بأسماء الملوك والأمراء السعوديين ممن عشقوها وكانت لهم منتجعاً صحراوياً، وكانوا أيضاً يمارسون عملهم من تلك الرياض الخضر في صحاري نجد.

ولعل أشهر الرياض والمواقع وأقدمها روضة التنهات (185 كيلومتراً شمال شرقي الرياض) حيث كانت مقراً موسمياً للملك المؤسس واستقبل فيها ملوك ورؤساء عدد من الدول، كما سجل التاريخ أن المخيم الملكي في روضة التنهات قد شهد في إبريل من عام 1940 زيارة وفد عراقي برئاسة نوري السعيد وزير الخارجية، وحل الوفد في ضيافة الملك عبد العزيز الذي قابل الوفد بحضور ولي العهد الأمير سعود ووزير الخارجية الأمير فيصل، وأسفرت الزيارة عن توقيع اتفاقية بين البلدين لحل قضايا عشائر الحدود المعلقة بينهما.

إضافة إلى موقع مناخ الملك عبد العزيز في جنوب الرياض وجبل أبو مخروق في شمال الرياض (اللذين تحولا إلى حديقتين في وقتنا الحاضر) وكانتا موضعين بريين يحبهما ويتردد عليهما مؤسس هذا الكيان الملك الراحل (الملك عبد العزيز) وغيرها من الرياض والفياض التي لها قصص معه، كما أن روضة (نورة) كانت منتجعاً برياً للملك الراحل، كما لم تغب الصحراء وعشقها عن أولاده الملوك من بعده الملك (سعود) الذي كان يعشق الصحراء أيضاً برحلات كانت تجمع بين التمتع بالصحراء والفروسية وغيرها، كذلك الملك (فيصل) الذي كان يعشق الصحراء وقال قولته الشهيرة لوزير الخارجية الأمريكي (كيسنجر) عندما هُددت الدولة بسبب قرار الملك فيصل وقف إمدادات البترول (في إشارة إلى العودة إلى حياة الصحراء في حال نفذت أمريكا تلك التهديدات)، كما كان للملك (خالد) عشق للبر عبر رحلاته البرية الموسمية وخصوصاً لروضة (الخفس)، كما كان للملك الراحل (فهد) اهتمام خاص بالصحراء عبر مخيماته البرية وتوجيهه بإقامة محميات صحراوية حفاظاً على الغطاء النباتي والحياة الفطرية الصحراوية، وارتبطت رحلاته البرية بروضة (التنهات) ورياض (الصمان)، كما عشق الملك (عبد الله) الصحراء وأبدى اهتماماً بكل ما يتعلق بالتراث وتجلى ذلك في تأسيسه لمهرجان (الجنادرية) الذي يعرف الآخرين بالصحراء وأبنائها، واتخاذه روضة (خريم) مقراً موسمياً له واستقباله فيها للمواطنين والعديد من زعماء العالم، وللأمير (سلطان) كذلك عشق بالصحراء تؤكده رحلات القنص واهتمام خاص بالإبل، وجسد الأمير (مشعل) اهتمامه بالصحراء من خلال مهرجان مزاين الإبل السنوي الذي يقام في ربوع الصحراء الذي يشهد حضوراً كبيراً، ولم يبتعد الأمير (نايف) عن ذلك العشق للصحراء الذي تحلى به والده وإخوانه الأمراء فكانت إحدى هواياته الصحراء والمقناص، كما أن العديد من الأمراء وغيرهم من المواطنين السعوديين لم يبتعدوا كثيراً عن ذلك الوله بنجد وصحاريها ورياضها التي يلجأون إليها هرباً من صخب المدن كلما سنحت الفرص وخاصة في مواسم الأمطار والربيع.

ملكة الرواسي
08-10-2017, 01:39 PM
خيال
لا هنت على نقلك
موضوع راقي يستحق الختم

خيال مطير
11-10-2017, 11:04 PM
مشكورهه ملكةة


احتراميـ يالغاليـــــــــــهـ

محمد الغنامي
11-10-2017, 11:13 PM
خيال مطير
طرح راقي وحضور ارقى
سلمت الايادي والحضور الفخم
اعجابي وتقديري
يسبقه ودي

النجلاء
11-10-2017, 11:38 PM
خيال
يعطيك العافيه ع الموضوع الاكثر من رائع
دمت ودام عطائك ووجودك الفاخر
تقديري وتقييمي لسموك
النجلاء

مهرة يام
12-10-2017, 12:06 PM
كلمات جميله وراقيه
يعطيك العافيه على الطرح
تقديري لك ملوكه

الجووهره
12-10-2017, 01:01 PM
موضوع راائع

ومعلومات قيمه

بس طووويييييل. هههه

يعطيك العافيه

على الاختيار والنقل المميز

ريم الفلا
12-10-2017, 06:37 PM
الله يرحمهم جميع
موضوع جميل لاهنت يالخيال

خيال مطير
17-10-2017, 03:46 AM
يعطيكم ألعـــــــــــــاافيةة مشكورين ع المرور ~

شكراً ع التقييم ملكةة